موضوع المقالة :
المنهج غير الرسمي:
مدارسنا بحاجة إليه
|
الكاتب أو الناشر: د. نادية راشد بوهناد
|
|
المنهج غير الرسمي: مدارسنا بحاجة إليه
في عدة مقابلات تناول
عيسى خليفة السويدي, مدير منطقة أبو ظبي التعليمية , موضوعا قلما يذكر من
قبل التربويين المهتمين بالطالب وسلوكه إلا وهو أهمية الجانب التربوي في
حياة الطالب, وفي سياق طرحه ذكر بأن المدارس في دولة الإمارات (وربما في
معظم دول العالم) تركز وبدرجة كبيرة على الجانب التعليمي مغفلة التعامل مع
الطالب على المستوى التربوي, وأضاف عيسى السويدي بان الاهتمام بسلوك الطالب
لا يشكل اولوية في نظامنا التعليمي وان التربية هي اخر هدف يصبو اليه المعلم في
مدارسنا, وبرغم إن الإطار التعليمي المستخدم حاليا مناسب ولكن هناك ندرة في
التطبيقات التربوية وهذا ما نعاني منه. ما يدعو اليه عيسى السويدي نسق
تربوي متجدد يبرز مرة اخرى بعد فترة من النسيان الاكاديمي والانساني وهو
نسق أرى انه عملي لمعالجة قضايانا التربوية ويسمى بالمنهج غير الرسمي (The Informal
Curriculum) وقد
بدأ الاهتمام بالمنهج غير الرسمي منذ فترة غير طويلة على يد بعض التربويين
المهتمين كديوي في عام 1938 ومتز في عام 1978 وحاليا يتبناه كل من مكاسلن وجود
اللذان يعرفان المنهج غير الرسمي على انه المادة العلمية التي على رغم عدم
اقرارها من المدرسة بقصد فهي تدرس ولكن بطريقة غير مباشرة, اي ان هناك
العديد من الطلاب الذين يتعلمون هذه المادة بمفردهم, فبالتعامل مع الجماعة
والتعاون معهم يتعلمها الطالب عن طريق هذه التطبيقات, اضافة إلى انها تعرفه
على شخصيته وقدراته العلمية في المدرسة.
المنهج غير الرسمي منهج
غير مقرر من قبل وزارة التربية والتعليم ولا يوجد له توصيف خاص به ولا
يتم متابعته في نظامنا التعليمي, الا ان مكاسلن وجود يعتقدان بانه يمثل
الجانب الحقيقي في حياة الطالب المدرسية, وتفاعل الطالب مع الاخرين الذي
اشرنا اليه يسمى (Interpersonal) اما تفاعله مع نفسه فيسمى بـ (Intrapersonal) اذن المنهج غير الرسمي يتأثر بمستويين وهما: المنهج المجرد
الذي يشمل توقعات المجتمع في المدرسة والمنهج التحليلي الذي يؤطر المنهج
المجرد من خلال التدريس الصفي, وتتأثر تفاعلات الطالب الشخصية ونشاطه
بتفاعله مع الاخرين ومع عالمه المحيط والذي يتضمن عدة محتويات منزلية
ومدرسية وعملية. يتطلب المنهج غير الرسمي تخطيطا واضحا بعيدا عن العشوائية
وتقبل من المدرسة لدورها ليكون اكثر من مجرد تعليم القراءة والكتابة, وقد
اكد الباحثون على هذه الناحية فنجد برلينر (1992) ينادي بالاهتمام
بالمحصلات غير الاكاديمية للمدرسة في المجتمع الامريكي ذاكرا بان التخلي عن
العديد من الموظفين سببه هو قلة مهارات التفاعل مع الاخرين وعدم الالتزام
بالمسؤولية الشخصية, ولا شك ان العديد من اولياء الامور سيتفقون بأن اول
عمل يجب ان تقوم به المدرسة هو الاهتمام والرعاية لاطفالنا قبل تقديم
المنهج الرسمي, الرعاية والاهتمام بالعلاقات الانسانية يجعل المنهج غير
الرسمي قوي وفعال في الحياة المدرسية.
لنوضح ما المقصود
بالمنهج المجرد, اولا مصطلح المنهج له عدة تعريفات, فدويل يعتبره نموذج
اجتماعي لتعريف المحتوى بين النظام المدرسي والمجتمع, والمنهج التحليلي
يترجم سياسة المنهج المجرد إلى اجراءات قابلة للتطبيق, وجدير بالذكر انه
متى ما تم تعريف المنهج المجرد تم ذكر التربية وعلاقة المنهج بالتربية ومن
يأتي قبل, المنهج ام التربية, وهذه التساؤلات تقع خارج اطار بحثنا, وتعريف
المنهج يختلف من شخص إلى آخر ومن ثقافة إلى اخرى اعتمادا على التجارب
التربوية والتعليمية التي يمر بها الشخص والمجتمع, فمثلا نجاح مجتمع في
مجال ما يعبر عن نجاح التربية وفشل المجتمع في مجال اخر يعني فشل التربية
في تأهيل الاجيال, ففي الثمانينات دار جدل معمق حول فشل النظام التعليمي
الامريكي وتم الربط بين الازمة الاقتصادية بأداء الطلاب ودافعيتهم الدراسية
الضعيفة, وعلى هذا الاساس وقع اللوم بالتالي على الاسرة ومن ثم وبالدرجة
الاولى على النظام التربوي, وعمليات التقييم كان لها اثر كبير في الحكم على
نجاح أو فشل المؤسسة التربوية لان الطالب يكون مسؤولا عن ادائه في الامتحانات
وذلك عن طريق بذل الجهد المطلوب, والمجتمع الامريكي (وربما مجتمعات اخرى)
يشجع مكافأة الدافعية, بمعنى ان قوة الدافعية تجلب النجاح وضعف الدافعية أو
عدمها يجلب الفشل. اما اذا نظرنا إلى مفهوم الطالب فانه يختلف باختلاف
المسؤولية, تلك الملقاة على عاتقه والمسؤولية الملقاة على كل كافة عناصر العملية
التعليمية, فمثلا في المجتمع الامريكي يتوقع من الطالب ان يكون اداؤه
متميزا في الاختبارات التحصيلية وفي الوقت نفسه ان يشارك في عدد كبير من
الانشطة الرياضية أو التطوعية, وهذه التوقعات تشمل مجتمع الامارات, فنظامنا
التعليمي يتوقع من كل طالب ان يجتاز الاختبارات التحصيلية وينتقل من صف إلى
آخر وفي الوقت نفسه يشارك في معظم الانشطة (المقررة) وغير المقررة, وان
يكون سلوكه جيد, يرضي المؤسسة والمنزل, واذا فشل الطالب في هذا, وقع اللوم
عليه واسرته والنظام التربوي. الخلاصة ان الطالب يتوقع منذ ان يقدم عملا
جيدا لان هذه هي مرحلة التعلم الحقيقي في حياته وفشله يعني لومه والنظر اليه
بعين السخط واللامسؤولية وعدم الدافعية, وهذه نظرة غير واقعية, وليتوقف
التربويون قليلا ليتساءلوا هل هذا الطالب أو غيره فاهم أو واعي لادواره
المجتمعية الواقعية التي سيقوم بها عندما ينتهي من سنوات الدراسة؟ وهل يعي هذا
الطالب الرسالة المجتمعية غير المباشرة في المدرسة؟ وهل يفهم ما هو المطلوب
لتنمية هذه الرسالة وتنظيمها؟ مفهوم الطالب يقول الكثير عن دوره في المدرسة
وعلاقته بالمنهج فهناك بعض الطلاب الذين يعانون من صعوبات في التعلم وصعوبة في
التفاعل مع الآخرين وبالتالي صعوبة في التعامل مع المنهج المدرسي الذي ينعكس
اعلى داء الطالب التحصيلي, من التطبيقات التربوية التي تؤطر الجانب الانساني هو
الابتعاد عن الاختبارات التي تعزز المقارنة المستمرة بين الطلاب والاتجاه إلى
الاختبارات التي تعزز مقارنة الطالب بنفسه وليس بالاخرين, اعتماد المعلم الدائم
على الاختبارات التي تقارن بين الطلاب بهدف معرفة الفروق الفردية يؤدي إلى قتل
الدافعية الذاتية عند الطلاب, الاختبارات المتكررة تؤثر في نمو المراهق النفسي
والاجتماعي, فالمدرسة المليئة بالواجبات والاختبارات والتحديات التي لا تمثل اي
اهمية له, اضافة إلى المعلمين المملين تدفع الطالب إلى التفكير في خيار ثان
يتعلم منه ويستفيد, التحدي ليس في الحفاظ على الطالب حتى يتخرج انما في توفير
تجارب تربوية واقعية ذات قيمة انسانية تؤثر في الطالب وفي وجوده في المدرسة.
يبدي العديد من
التربويين اهتماما كبيرا في كيفية تقييم اداء الطالب, فعن طريق التقييم
(اختبارات تحصيل أو مشاركة صفية أو ملاحظات المعلم) يتعلم الطالب الكثير من
تقدمه الاكاديمي واستعداداته التعلمية, مكاسلن وجود ينادون بالتقييم الاكاديمي
الذاتي الذي يركز معرفة الطالب لنفسه وقدراته, ويعرف التقييم الاكاديمي الذاتي
على انه قدرة الطالب على تقدمه الاكاديمي, هل حقق الطالب الاهداف التي وضعها
ومعرفة نقاط الضعف والقوة في تقدمه الاكاديمي, هل حقق الطالب الاهداف التي
وضعها؟ وكم هدف حقق؟ وما الذي يجب عمله اذا تحققت الاهداف بالطريقة الصحيحة, بلا
شك ان التقييم الاكاديمي الذاتي وسيلة من الوسائل التي تساعد المعلم على ان
يتعرف على دافعية وارادة الطالب, فالطالب الذي لديه دافعية واردة ولا تكون لديه
الفرصة لتقييم ذاته اكاديميا, يكون مشوشا فكريا ونفسيا, الاتجاه السائد في تقييم
الطالب في نظامنا التربوي هو اتجاه تقليدي لا يسمح لاي تقييم اكاديمي ذاتي,
لماذا لا نطلب من الطالب ان يحتفظ بواجباته واعماله في ملف وهو ما يعرف
بالـ (Portfolio) حتى نهاية السنة ثم
نطلب منه ان يقيم اعماله؟ ولماذا نعلمه الاعتماد على المعلم كمصدر اساسي
لتقييمه؟ عدم منح الطالب الفرصة لتقييم ذاته اكاديميا يشعره بعدم
المسؤولية وعدم السيطرة على الظروف التعليمية المحيطة به, الامر الذي يؤدي
إلى قلق الاختبار والتقييم لديه. إلى هنا واتوقف لاكمل الحديث في الجزء
الثاني عن اهمية الاعمال الصفية ودور المعلم واهمية الاهداف للطالب واهمية
تعلمه في اطار جماعي.
استاذ بقسم علم النفس
جامعة الامارات
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق